الوقف ... النّموذج الفريد

الوقف ... النّموذج الفريد

"تُسجَّل في العديد من البلدان الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية فجوة بين المهارات أو عدم التطابق بين كفاءات الشباب وفرص العمل المتاحة - وهي فجوة قد لا يسدها التعليم النظامي وحده بالضرورة. ولتحويل الشباب إلى مهنيين منتجين اقتصاديًا، يشغلون وظائف لائقة ومستدامة في السوق النظامية، تدعو الحاجة إلى اتباع نهج قائم على تكييف المهارات مع حاجيات السوق. وفي إطار تطبيق نموذج الأوقاف، يمول مشروع وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش فرص التعليم في جميع أنحاء بنغلاديش وذلك بتوظيف دخل المجمع التجاري الحديث في دكا المسمى "مبنى البنك الإسلامي للتنمية". وقد قدم هذا البرنامج حتى الآن 12778 منحةً دراسية، واستُكمِل 9961 برنامجاً لمحو الأمية الحاسوبية ونُفّذ 6753 دورةً تدريبية، واستُحدثت 5922 فرصة عمل."

تشهدُ العديدُ من البلدان الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية فجوةً في المهارات أو عدم التطابق بين كفاءات الشباب وفرص العمل المتاحة، وقد لا تُسدُّ بالضرورة بالتعليم النظامي وحده. ولتحويل الشباب إلى قوة مهنية منتجة اقتصاديًا، تشغل وظائف لائقة ومستدامة في السوق الرسمية، تدعو الحاجة إلى اعتماد مقاربة قائمة على متطلبات السوق من أجل تعزيز تلك المهارات. 

تحتاج بنغلاديش، أحد البلدان الأعضاء الكبار في البنك الإسلامي للتنمية، ذات الفئة العمرية الشابة المحرومة إلى حلٍ لمشكلة بطالة الشباب. وتتطلب هذه المشكلة الخطيرة حلولاً إنمائيةً مختلفة جذريًا - مثل نموذج الأوقاف. وقد أخذ البنك الإسلامي للتنمية زمام المبادرة في إطار هذا النموذج، بفضل وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وحكومة بنغلاديش. وقد كان وقف التضامن أول من بادر إلى تجربة استخدام الأوقاف- بصفته شكلاً من أشكال التمويل الاجتماعي الإسلامي- ضمن سياق إنمائي.

أدت الأوقاف في الماضي دوراً رئيساً في توفير تمويل مستدام للعديد من الخدمات الاجتماعية، لا سيما التعليم والصحة. وتعتمد في زمننا العديد من المؤسسات الغربية الحديثة، خاصة الجامعات الكبرى، بشكل كبير على الأوقاف. ومع ذلك، لم يكن تمويل الأوقاف من قبل جزءا من السياسة الإنمائية.

وقد نجح البنك الإسلامي للتنمية في إحياء مفهوم الأوقاف، إذ استحدث تمويل الأوقاف باعتباره أداة فعالة لحل القضايا الاجتماعية والسياسية الشائكة. وقد تحقق ذلك بفضل تمويل تطوير وتجديد وشراء الأصول العقارية المدرّة للدخل. ويوفر هذا الدخل استدامة مالية لمبادرات التنمية.

بعد اختبار النموذج، قام البنك الإسلامي للتنمية بإضفاء الطابع المؤسسي على هذا النهج، إذ أنشأ صندوق استثمار مبتكر، مؤسس على نموذج إنمائي فريد، قوامه استدامةٌ مالية طويل الأمد، ألا وهو صندوق تثمير ممتلكات الأوقاف.

على الرغم من أن نحو 30% من مشاريع صندوق تثمير ممتلكات الأوقاف سُخرت لأغراض تعليمية، فإن وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش فريدٌ من نوعه. فهو، لكونه واحداً من أقدم مشاريع الأوقاف التي يواصل البنك الإسلامي للتنمية مساهمته فيها مساهمةً نشطة، حالة مرجعية نموذجية للمشاريع الوقفية. إذ يجسّد أفضل خصائص نموذج لامركزي للوقف كأداة للتنمية، يمكن تكييفه ليناسب التدخلات الاجتماعية التي تأخذ في عين الاعتبار التفاصيل الدقيقة والأكثر تعقيدًا للسياق المحلي الذي يطبق فيه. 

ويجسد وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش مفهوم الاستدامة. إذ تترأس هيكله الإداري لجنة "متولّية" تجتمع كل ثلاثة أشهر وتضم ثلاثة أعضاء يعينهم البنك الإسلامي للتنمية. وتتولى المبادرة تمويل وصياغة وتنفيذ المشاريع في مجالات التعليم وتنمية الموارد البشرية والتعزيز المؤسسي. وخلال السبع عشرة سنة الماضية، دعمتْ برامج تعليمية، استَهدفتْ فيها الشباب الواعد المحروم في نفس الوقت، لسد الثغرات المهمة في مجال تعزيز المهارات.

فضلاً على ذلك، قام وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش بجمع احتياطيات مالية كبيرة لاستخدامها في توسيع أنشطته. وقد وُجهت بالفعل نسبة 30% من دخله السنوي بانتظام (باستثناء سنتيْن) إلى صندوقٍ احتياطي. وبتوفره على هذه الموارد، يجد وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش نفسه في وضع يمكنه حالياً من تنفيذ مشروع وقفي جديد، ممول جزئياً من موارده الخاصة وجزئياً من صندوق تثمير ممتلكات الأوقاف، مع تخصيص الحكومة البنغلاديشية للأراضي اللازمة.

أُسِّس وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش بغرض تحويل الشباب البنغلاديشي إلى قوة عاملة منتجة من خلال تعزيز قدراته الفنية باستخدام التقنيات الحالية والناشئة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والمساواة. وعلى هذا النحو، يبقى المقياس الرئيس للنجاح في عمليات التوجيه هو إيجاد الوظائف.

ووفقًا للسند المؤسس للوقف، يرمي وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش إلى منح مساعدات مالية للاضطلاع بوظيفة تربوية، ودعم تعليم الطلاب المسلمين البنغلاديشيين والمؤسسات التعليمية الإسلامية ودور الأيتام في بنغلاديش. وعلى عكس معظم مشاريع الوقف التابعة للبنك الإسلامي للتنمية، في حالة وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش لا توجد منظمة قائمة. فضلاً على ذلك، فإن مُكَوّن المنحة في المشروع عامل مهم جدًا.

ويشير هذان العاملان إلى أن البنك الإسلامي للتنمية أدى دور المؤسس وليس دور الممول فقط. وفي هذه الحالة، أنشئت المؤسسات الوقفية والتعليمية في نفس الوقت، في إطار مبادرة واحدة متكاملة أمكنها بعد ذلك تطوير برامجها التعليمية الخاصة. فضلاً على ذلك، ضَمِن مُكوّن المنحة تحمّل الحد الأدنى من عبء السداد، مما يعني أن الأموال كانت متاحة على الفور لدعم الأنشطة التعليمية.

وأسفر المشروع عن مردود رئيس هو بناء مجمع وقفي في دكا ببنغلاديش، يحمل اسم "مبنى البنك الإسلاميّ للتنمية" . وعلى الرغم من أن المراحل الأولى من وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش تعود إلى اتفاق بين البنك الإسلامي للتنمية وحكومة بنغلاديش سنة 1987، فإن مرفق الوقف المسمى "مبنى البنك الإسلاميّ للتنمية" لم يبدأ العمل إلا في سنة 1997. وبعد ذلك، بدأ يضطلع بوظيفته التعليمية منذ سنة 2003 إلى غاية اليوم.

و"مبنى البنك الإسلاميّ للتنمية" عبارة عن مبنى تجاري متعدد الاستخدامات مكون من 20 طابقًا ومجمع تجاري للحواسيب من أربعة طوابق- هو "بي سي إس كوميوتر سيتي". ومُوّل المبنى بمنحة قيمتها 10 ملايين دولار أمريكي وبتمويل قيمته 3.2 مليون دولار أمريكي، كلاهما من البنك الإسلامي للتنمية. و"مبنى البنك الإسلاميّ للتنمية" في أغارغارون، الذي يعد من بين أطول المباني في دكا، أحد أكثر المباني المرموقة في العاصمة، حيث يضم هيئات تابعة للأمم المتحدة بالإضافة إلى منظمات وشركات أخرى متعددة الجنسيات.

وساعدت النوعية الممتازة لمستأجري "مبنى البنك الإسلاميّ للتنمية" هذا الأخير على تحقيق دخل مالي عالي المستوى وقارّ في آن واحد. وتشير تقديرات الميزانية للسنة المالية يوليو 2018- يونيو 2019 إلى إجمالي دخل يقدر بنحو 4.56 ملايين دولار أمريكي.

ساهم هذا الدخل، بالإضافة إلى تغطيته للنفقات، بمبلغ 19.60 مليون دولار أمريكي في مصروفات المشروع، منذ بدايته (بمعدل سنوي قدره 1.23 مليون دولار أمريكي لدعم البرامج التعليمية). وخلال نفس الفترة، حُولت نسبة 30% من إجمالي الدخل إلى صندوق احتياطي خاص.

فبفضل تبرع حكومة بنغلاديش بقطعة أرض مساحتها فدانان، ومنحة قيمتها 10 ملايين دولار أمريكي وتمويل بقيمة 3.2 مليون دولار أمريكي، وكلاهما من البنك الإسلامي للتنمية، كانت الإيرادات المباشرة مثيرة للإعجاب. وقد دفع وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش 19.6 مليون دولار أمريكي في شكل مصروفات للمشاريع، كما يملك صندوق احتياطي خاص يبلغ رصيده 10.68 مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى عقار تقدر قيمته بمبلغ 50 مليون دولار أمريكي. ويملك وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش حاليًا أصولًا يبلغ مجموع قيمتها نحو 160 مليون دولار أمريكي.

تُستخدم إيرادات "مبنى البنك الإسلاميّ للتنمية" لتقديم أشكال مختلفة من المنافع الاجتماعية والاقتصادية للجهات المستفيدة النهائية؛ الجهة الراعية للمشروع والمنظمة المستفيدة؛ والأوقاف والقطاع الخيري؛ والاقتصاد المحلي. ويدعم وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش خمسة برامج: برنامج المنح الدراسية لتكنولوجيا المعلومات، وبرنامج التدريب المهني، وبرنامج "المدرسة"، ومنحة لنيل الدبلوم مدتها 4 سنوات في برنامج للهندسة وبرنامج دار الأيتام.

يرمي برنامج المنح الدراسية لتكنولوجيا المعلومات إلى تحويل العدد الكبير من الخريجين الجامعيين العاطلين من المجالات غير المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات إلى قوة عاملة منتجة، وذلك بتعزيز قدراتهم الفنية في مجال تكنولوجيا الاتصالات المعلوماتية. كما يقدم البرنامج التدريب على مهارات تكنولوجيا المعلومات المطلوبة، والمستهدفة للتشغيل. وتكون الدورة التدريبية مكثفة وتستغرق سنة واحدة.

يقوم البرنامج بتدريب 1200 طالب سنويًا. وتشمل المنحة رسوم امتحانات شهادات تكنولوجيا المعلومات الدولية. لكن الدعم لا ينتهي عند هذا الحد: حيث تتم مساعدة خريجي الدورات التدريبية على العثور على وظيفة. وقد قدم هذا البرنامج حتى الآن 12778 منحة دراسية، واستُكمل 9961 برنامجاً لمحو الأمية الحاسوبية و6753 دورة تدريبية، كما استُحْدثتْ 5922 فرصة عمل. ويحظى برنامج المنح الدراسية لتكنولوجيا المعلومات الذي يقدمه وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش بتقدير كبير من قبل المشغلين، الذين غالبًا ما يذكرون صراحةً تفضيلهم لخريجي وقف التضامن في إعلانات التشغيل.

 يرمي برنامج التدريب المهني إلى تغيير حياة من انقطعوا عن الدراسة في المرحلة الثانوية - الذين توقّفوا عن مواصلة التعليم بسبب مصاعب مالية - من خلال تعزيز مهاراتهم المهنية. ويشمل رسوم التدريب في مهن في مجالات الكهرباء والإلكترونيات والصناعة الميكانيكية والتبريد والتكييف واللحام والتصنيع. فضلاً عن ذلك، فهو يدعم المتدربين بتوفير سكن مجاني ومطاعم لهم، ومنحة شهرية. وفي نهاية البرنامج، يساعد المتدربين على إيجاد فرص عمل. وقد قدم هذا البرنامج حتى الآن 1288 منحة دراسية. وأكمل بفضله 950 متدربا دوراتهم التدريبية، وُظِّف منهم 872 خريجا. 

يقوم برنامج "مدرسة" بتطوير المرافق المادية في المدارس، وقد استُحدِث برنامج "داخل" (التدريب المهني) من خلال توفير مرافق كاملة تشرف عليها هيئة التعليم التقني في بنغلاديش (BTEB). وفي إطار البرنامج، تُشَيد المباني الأكاديمية والورش المهنية، كما يُعَين أعضاء هيئة التدريس وتُوفّر المواد الخام والأدوات والمعدات وتُدفع رسوم التسجيل والامتحانات. وبلغ عدد المستفيدين من هذا البرنامج 27.210 مستفيدا، من بينهم 1.068 خريجاً مهنياً. وحقق العديد من هؤلاء الشباب، المراتب العشرين الأولى في الامتحانات النهائية التي نظمتها هيئة التعليم التقني في بنغلاديش من 2011 إلى 2015.

توفّر المنح الدراسية لنيل دبلوم السنوات الأربع في برنامج الهندسة فرصًا للخريجين من الطلبة الداخليين (المهنيين) في برنامج المدرسة لنيل دبلوم في الهندسة (تستغرق الدراسة فيه أربع سنوات) في معاهد البوليتكنيك الحكومية. ويوفر البرنامج 2500 تاكاً من أجل الرسوم الدراسية (لكل فصل دراسي)، و2000 تاكاً لمصروف الجيب (شهريًا) و500 تاكاً للكتب والمواد الأخرى (شهريًا). وقد قُدّمت في إطاره 171 منحة دراسية، التحق الحاصلون عليها بأحد معاهد البوليتكنيك الحكومية الأربعة والثلاثين المشمولة به.

يشتمل برنامج دار الأيتام على مشروع واحد حتى الآن - دار الأيتام خَياربانغا في ماداريبور، الذي شَيد إقامات سكنية لـ 100 يتيم، ويدفع نصف نفقات الإطعام الشهرية الخاصة بدار الأيتام، ويدير فصولاً دراسية لفائدة الأيتام، الذين حققوا نسبة نجاح وصلت إلى 100% في الامتحانات العامة، وهو ما ضمن لهم الحصول على منح الاستحقاق الحكومية.

وقد استفاد من البرنامج 1.350 يتيمًا، ويُسَجّل فيه 20 إلى 30 يتيمًا جديدًا كل سنة.

على مستوى المستفيدين الأفراد النهائيين، من المتوقع أن تستمر المنافع التي يحصل عليها المتدربون على مدى أجيال متعددة. وكما يشهد على ذلك العديد من خريجي وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش، وخاصة برنامج المنح الدراسية لتكنولوجيا المعلومات، فإن التسجيل في أحد البرامج يمثل لهم فرصة وحيدة في العمر. إذ قد غَيّرت حظوظهم تماماً إلى الأحسن، وغيرت في نهاية المطاف مستوى معيشتهم ومستوى معيشة عائلاتهم.

شهد مشروع الوقف إنشاء مؤسسة جديدة، بهياكل إدارتها وتسييرها. وقد تطورت هذه المؤسسة بمرور الوقت، محسّنةً قدرتها على الاستفادة بقدر من الكفاءة والفاعلية من عائدات الوقف وتسخيرها للبرامج التعليمية، ومن ثم تحقيق مقصد ومهمة الوقف.

بالنسبة لإدارة الوقف التابعة لوزارة الشؤون الدينية في بنغلاديش، الممثلة في لجنة "المتولي"، التابعة لوقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش، فإن المشروع المذكور قد حقق نجاحًا كبيرًا. فهو يمثل تحولًا كبيراً في إدارة الأوقاف في بنغلاديش. وقد حصل وقف التضامن الإسلامي على العديد من الجوائز والتشريفات، مما أدى إلى الارتقاء بمستوى الأوقاف وتقديم نموذج يحتذى به داخل هذا القطاع.

كانت لمرافق "مبنى البنك الإسلاميّ للتنمية" عالية الجودة آثار إيجابية على النظام البيئي المحلي للمنظمات والشركات الدولية. وباعتباره واحدا من أفضل المباني التي تتمتع بالصيانة والتأمين الجيدين في دكا، يوفر "مبنى البنك الإسلاميّ للتنمية" مرافق عالية المستوى، مما يسهل عمل المنظمات الدولية (مثل الأمم المتحدة). كما تضم المرافق أكبر سوق متخصص للحواسيب في بنغلاديش. وهكذا ساعد "مبنى البنك الإسلاميّ للتنمية" على إحياء وتنشيط المنطقة التي يقع فيها.

كان وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش من الرواد في مجال التدريب على تكنولوجيا المعلومات، حيث ساعد على سد فجوة هائلة في المهارات في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ويمكن القول أنّ هذا الفعل ساعد في تسهيل قطع المراحل الأولى لقطاع تكنولوجيا المعلومات / البرمجيات في بنغلاديش، وهو القطاع الذي يعرف ازدهاراً كبيراً حالياً. ونتيجةً لذلك، يُعدُّ برنامج المنح الدراسية لتكنولوجيا المعلومات الذي يموله وقف التضامن الإسلامي نموذجًا لبرامج التعليم والتدريب المستهدفة للتشغيل في بنغلاديش، وقد كانت له نتائج إيجابية على ممارسات الحكومة والمنظمات الأخرى.

يمثل وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش على العموم حالة نموذجية لتدخل وقف البنك الإسلامي للتنمية. وقد وضع مثالاً يمكن أن تكون له نتائج إيجابية على مشاريع الوقف المستقبلية التي ينفذها البنك الإسلامي للتنمية أو تنفذها جهات فاعلة أخرى. وسنعرض أدناه بعض العبر وبعض أفضل الممارسات المكتسبة من تجربة وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش. فُوّض الإشرافُ على وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش وإدارته للجنة المتولّين (مجلس إدارة فعلي)، وهي مكونة من ستة أعضاء، ثلاثة منهم يمثلون حكومة بنغلاديش، بينما يعين البنك الإسلامي للتنمية الثلاثة الآخرين.

على الرغم من أن هده الهيئة هي نتيجة مباشرة للشراكة بين الحكومة والبنك الإسلامي للتنمية، وهي بذلك هيئة فريدة من نوعها، فإنها تعد نموذجًا للحوكمة الناجحة. إن كفاءة ومهنية هيئة التسيير هي ثمرة مباشرة لبنية الحكامة المنظمة تنظيما محكما وللإشراف الدقيق على الوقف. وتستخدم هيئة التسيير لوحات متابعة وأنظمة تكنولوجيا المعلومات للالتزام بمعايير الجودة والرقابة والشفافية.

وأحد الدروس الهامة المستفادة من تجربة وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش هو جدوى عضوية كل من البنك الإسلامي للتنمية والحكومة في إدارة مشروع الوقف (لجنة المتولين أو النّظّار). إذ تضْمَن عضوية البنك الإسلامي للتنمية الجودة وتجنب الانحراف عن السند الأصلي للوقف. فضلاً على ذلك، يمكّن استمرار مشاركة البنك الإسلامي للتنمية من تعزيز مكانة المنظمة، بالنظر إلى استمرار ارتباطه بمنظمة دولية.

إن عضوية الحكومة في مجلس الإدارة تسهل التحقيق السريع للأهداف بفضل توجيه عملية اتخاذ القرار وتقديم المشورة اللازمة وتوفير الشبكة الضرورية لتيسير الأهداف التي ينشُدها الوقف. فضلاً على ذلك، تساعد عضوية الحكومة على نقل الخبرة في كلا الاتجاهين، والترويج لفكرة الوقف في الأوساط الحكومية من خلال توفير المعرفة التفصيلية لنجاح برامج الوقف.

وبشكل أعم، فإن إنشاء لجنة للمتولين/للنّظّار باعتبارها نموذجا للإدارة المؤسسية للأوقاف أفضل من الممارسة التقليدية المتمثلة في ترشيح الأفراد لمنصب النّظَارة، مما قد يؤدي إلى الفساد أو، على الأقل، إلى إضعاف عملية صنع القرار.

يقع مكتب إدارة وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش داخل مبنى الوقف نفسه. ويشرف فريق الإدارة، الذي يرأسه الرئيس التنفيذي، على إدارة منشأة الوقف ويوظف فريقًا من الإستشاريين التربويين لإدارة البرامج المختلفة لـوقف التضامن الإسلامي. يتأكد فريق الاستشاريين هذا من أداء البرامج التعليمية في التزامٍ بأعلى المعايير، مع المراقبة والتحسين المستمريْن. وقد نتج عن ذلك الإشراف وضع برامج مطابقة للسياق المحلي تحتوي على ضوابط وتوازنات مفصلة.

إن التصميم المعقد للبرامج التعليمية لبرنامج وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش هو نتيجة عضوية لعملية التحسين المستمر التي حدثت منذ إطلاق البرامج سنة 2003. وهكذا، يمكن اعتبار هذه الممارسات منطلَقاً لمشاريع الأوقاف المستقبلية، تضطلع بمهمات تعليمية مماثلة. وتشمل الاعتماد على مقدمي خدماتِ من جهات خارجية لتوفير التدريبات، مع تدقيق داخلي قوي واختبارٍ لتقدم الطلاب؛ والتحقق البيومتري من حضورهم الفعلي؛ والتحقق من المدفوعات لمقدمي الخدمات التي ترتبط بشكل وثيق بالأداء والحضور. كما يتم استجواب المشغلين باستمرار، وذلك لتحديث المناهج وفقًا لنتائج استجواباتهم.

وإضافةً إلى ذلك، نجح وقف التضامن الإسلامي التعليمي المشترك بين البنك الإسلامي للتنمية وبنغلاديش نجاحا كبيرا في اختياره المستأجرين وتحديده استخدام المباني: إذ اقتُصِر على مستأجرين من المنظمات الدولية والشركات المتعددة الجنسيات لضمان التدفق النقدي السلس (تقوم الأمم المتحدة، على سبيل المثال، بدفع إيجارها بنسبة 100% مقدمًا). وفيما يتعلق بالسوق الواقعة في قاعدة المبنى، فقد ظلت إدارة وقف التضامن الإسلامي على حرصها في تخصيصها كسوق (لحواسيب) عالية التخصص، مما يجعلها مكانًا جذابًا وفريدا للأعمال المرتبطة بالحواسيب.